Dream’s
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


Dream
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رواية .. بين الامس واليوم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 64
نقاط : 189
تاريخ التسجيل : 23/01/2012

رواية .. بين الامس واليوم  Empty
مُساهمةموضوع: رواية .. بين الامس واليوم    رواية .. بين الامس واليوم  Icon_minitimeالأربعاء يناير 25, 2012 6:56 pm

شتقت لكم بلا قياس للاشتياق.. شيء يتجاوز قياسات الشوق المحدودة.. اشتقت لأيام نقاشاتنا وتواصلنا الدافئ الحميم

اشتقت لحمائم أرواحكم تحلق بين سطوري..اشتقت لوقع خطواتكم على دفق شراييني

اشتقت لتواصل قلوبكم مع روحي المولعة باسم كل واحدة منكم

لكل واحدة منكم مكانها الأثير الذي لا يزاحمه عليها أحد..

لكل اسم من أسمائكم حكاية ود ضربت بجذورها إلى أقصى عروق قلبي

لا حرمني الله منكم ومن مودتكم ومحبتكم وتواصلكم

.
.
هأنا أعود.. عدنا.. والعود أحمد
لا أعلم إن كنت أعود بشيء أفضل أو أسوأ..ولكن بالتأكيد أعود بكل الحب والمودة التي لا حدود لها
أعود لكم بخليط فكري وعاطفي عاصف...أعود لكم بـ "بين الأمس واليوم"
ابنتي الثالثة التي أخذت من روحي وتفكيري الكثير
قد تعجب البعض.. وقد لا تعجب الآخرين..وهكذا حال كل عمل إنساني: نقصه أكثر من كماله
ولكن رجائي الحار ألا يقارنها أحد بأختيها الأكبر منها.. حتى وإن رأيتم أنها هي الأفضل أو الأسوأ بينهما
لكل رواية ظروف.. ولكل رواية أحداث وشخصيات وروح
هاجموها هي بذاتها.. دللوها هي بذاتها.. انتقدوها هي بذاتها.. امتدحوها هي بذاتها..
تعلمون أنني أرحب بالقدح قبل المدح.. لكن مقارنتها بعمل اكتمل وانتهى ليس من الموضوعية في شيء

روايات العطى | www.3ta1.com

"بين الأمس واليوم"

سأقول فقط أني كتبتها عن عشق لما أكتب.. وأنا هكذا دائما: عاشقة أبدية للكتابة.. وروحي دائما مخلصة لما أكتب

فهذا الولع بسكب الكلمات يحتويني.. ويغذيه تواصلكم الرائع وتذوقكم الرفيع لما أكتب وتوجيهه وتصويبه

منذ أن انتهيت من "أسى الهجران" لم أتوقف عن الكتابة..أحيانا في اليوم لا أكتب إلا سطرين

لكن لا يمكن أن أتوقف عن ممارسة هذا العشق الأزلي

أتمنى وأنتم تقرؤون أن تشعروا برائحة هذا الوله المصفى يعبق بين سطوري..

كان لدي الكثير من الأفكار.. وكنت قد بدأت قبل أن أنتهي من أسى الهجران بفكرة رواية تاريخية عن تاريخ قطر منذ أواخر القرن الثامن عشر

ولكن هذه الفكرة احتاجت كثير من المراجع والدقة

فوجدتني أنزلق لفكرة أخرى تدور الأحداث فيها بين الأمس واليوم..أحداث حدثت في الأمس وبقي أثرها لليوم
بقي الأثر فيها مشنقة يُنصب عليها أبطال الرواية ومشاعرهم وتصرفاتهم
الشخصيات عديدة.. لا يوجد لدي البطل الأوحد بمعناه المجرد
قد يزداد ظهور بعض الشخصيات وفقا لمقتضيات الحدث وأهميته ليس إلا
اليوم سنتعرف على عائلة واحدة فقط .. ثم نتعرف على البقية تدريجيا
.
.



.
.
أعترف لكم أني جبنت كثيرا عن إنزال القصة
وساوس.. خوفا ألا تليق بمكانتكم الشامخة عندي..
خوفا من العودة لدوامة الكتابة والضغط والتنزيل وخصوصا أني مازلت أكتب الرواية
ولكني فوجئت بجنوني يستحكم هذا الصباح.. حاولت مقاومته كثيرا
ولكنه انتصر أجبرني أن أفتح ذراعي "بين الأمس واليوم" لكم.. علكم تفتحون أذرعتكم لها
وتحتضنونها بدفق مشاعركم وفكركم واحتواءكم

.
.
افتحوا قلوبكم الأنقى وأحضانكم الأدفأ
واستقبلوا "بين الأمس واليوم" في جزئها الأول
اللهم أعطنا من خير هذا المجلس وإكفنا شره
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.
بين الأمس واليوم

روايات العطى | www.3ta1.com

دروب هذه الحياة المتشابكة والمتعرجة

فوضى الأفعال والكلمات

ثــم.. طريق اللا رجوع!!!







قد تتصرف تصرفا ما.. ثم لا تستطيع التراجع عنه أو رأب صدعه

أو قد تتفوه بكلمة ما.. ثم لا تستطيع درء أوجاعها وكبت سمومها





فانتبه للقلوب التي ستطأها بقدمي أفعالك أو حروفك

فالسنوات ستمر.. وستبقى أنت وماصدر عنك من قول أو فعل مشنوقين

بين ماض لم ينته.. وحاضر مضطرب.. ومستقبل مجهول

فهل أنت مستعد لكل هذا؟!!!




قبل أربع سنوات...




"تكفى يبه.. تكفى..

طالبك طلبة.. طالبك ماتخليها تدخل ذا الكلية"





نبرة باردة صارمة تفيض صقيعا مدروسا: أظني إني عادني حي.. وشورها في يدي

وأنا قلت لها إذا جابت ذا النسبة .. بأخليها تدخل اللي هي تبي





ينهار على ركبتيه..وينكب على يد والده يقبلها.. ويهمس باستجداء موجع.. موجع حتى عنان السماء..

موجع حتى نهايات الوجع الموغلة في اليأس والألم والتشبث بمعاني رجولته البدوية الغالية:

تكفى يبه لا تخليها تفضحنا.. تكفى..

والله ماعاد أطلب منك شيء في عمري كله

بس لا تردني.. تكفى.. تكفى

طالبك يبه.. طالبك طلبة

يبه تكفى.. ما تهمك سمعتنا بين الناس؟!!



والده ينتزع يده بحدة وهو يحترق ألما لهذا الجاثي المبعثر عند قدميه.. يود أن ينتزعه من الأرض ليزرعه بين النجوم.. أن يمحي نظرة الإنكسار الذابحة في عينيه فهو الذي علمه ألا ينكسر ولا ينحني ولا يتردد..

تركه جاثيا في مكانه وابتعد عنه ليهمس بثقة صارمة.. مرعبة.. نبرة من لا يهمه في الحياة سوى قناعاته هو:

أنا ما يهمني حد

وهي بتدخل اللي تبي

ولا حدن بقاهرها وأنا رأسي يشم الهوا

كسره..

كَــسَــرَه..

كَــــــــسَــــرَه!!

كان الشرخ الأول.. والأضخم بينهما!!

كان حدثا فارقا بين أحداث فارقة مرت.. وأحداث فارقة أخرى ستمر!!

ولكنه كان وجعا صِرفا صافيا لكليهما

وإن صرّح أحدهما بوجعه حتى البكاء

وأنكره الآخر حتى النسيان!!!



















************************





قبل واحد ثلاثين عاما

عالم غير العالم

ودنيا غير الدنيا

وبشر غير البشر










بحر ممتد.. وشاطئ عذب.. وأحلام تبدأ : لـتنمو.. أو لـتُـنحر!!



يجلسان على بحر منطقة دخان.. شابان غضان.. للتو يعبران حاجز التاسعة عشر عاما

يفرق بينهم الأصل والقبيلة

ويجمع بينهما الفقر والصداقة والرجولة

الكثير منها ثلاثتها

كثيرٌ من الفقر

وكثير من الصداقة

وكثير من الرجولة!!!



روايات العطى | www.3ta1.com

"زايد.. هونها وتهون يأخوك"



" قهرتني ياخليفة.. قهرتني"



خليفة بشبح ابتسامة: أبي أدري بس وش عايبك فيها..لسانها طويل



يبتسم زايد وهو ينظر للأفق خلف البحر الرائق: مهرة ياخليفة مهرة.. مهرة محدن عسفها



يبتسم خليفة: وانتي اللي تبّي تعسفها مع هالويه..؟؟!!



زايد يلتفت له بحدة.. ويهمس بغضب خفيض: وش فيه وجهي يابو وجه أنت؟!!



خليفة يهمس بنبرة حذر: تبي الصج وإلا ولد عمه؟!!



زايد بغضب مكتوم: خليفوه خلصني قدام أعصب



خليفة يبتسم وهو يلمس قفاه بحركة مقصودة: لا يأخوك كله ولا تعصب.. توني ماسلمت من تعصبيتك المرة اللي فاتت



زايد بذات الغضب المكتوم: تبي تقعد تغزل فيها وأسكت لك



خليفة يضحك ضحكته المجللة المغلفة بصفاء روح ما لوثتها المدنية: وأنا شعرفني إنها حبيبة القلب



زايد بغضب أكبر: هي أو غيرها.. احشم الناس اللي أنت جايهم



خليفة مازال يضحك ذات ضحكته التي تمنى زايد ألا تنطفئ من حياته يوما:

وهي ليه ماتغطي ويهها مثل باقي حريمكم.. أعرفكم تغطونهم من 12 سنة..

هذي صارت بقرة وهي كاشفة ويهها وتدور ببخنقها







زايد يلتفت ناحيته بحدة مهددة.. وخليفة يقفز ويبتعد عنه وهو يهمس بمرح: خلاص السموحة السموحة

هدي هدي خل نتفاهم

أنت الحين من جدك تبي تتزوج هالشمحوطة المزيونة اللي أطول منك يالقرد؟؟







زايد يحاول أن يهدأ: إيه.. وش فيها؟!! ولاعاد تقول المزيونة فقعت عيونك الثنتين

وقرد في عينك.. الرجال مخابر مهوب مناظر

وإلا يمكن بتقول لي مثل ماهي قالت لي.. إنه إبي كان راعي إبل عندهم قبل سنين.. وهي ماتزوج ولد الراعي







خليفة يبتسم بخبث : يمكن.. ليش لأ؟!!



زايد يعود للغضب الممزوج بكرامته المهانة هذه المرة: خليفة لا تقهرني مثلها..

أنت أكثر واحد عارف إنه إبي كان ضام حلالهم مع حلالنا.. يعني حن اللي متفضلين عليهم

لأنه إبيها جابها على كبر..وماعنده غيرها ولا يقدر على الأبل.. فأبي مساعدة منه كان مخلي حلالهم مع حلالنا

يعني سالفة الراعي ذي ما أدري من وين جابتها اللي ما تستحي؟؟









خليفة يهمس بهدوء يحاول به امتصاص غضب زايد: هذا أنت قلتها بنفسك.. يعني زود على أنها أنكرت فضلكم عليهم

تسبك وتقول ياولد الراعي.. يعني خلتكم إنكم جنتو ترعون عندهم وجنها هي بنت الشيخ

مع إن هذا موب صحيح والناس كلهم عارفين.. وش تبي فيها؟؟ هذي ناكرة يميل







زايد بألم شفاف.. شفاف.. شفاف.. مغرق في الشفافية وكأنه يحدث نفسه المتيمة في هواها:

كبرت قدام عيني.. وكل يوم يزيد غلاها.. لين ماعاد لغلاها محل

أحبها ياخليفة.. أحـــبــهــا







خليفة ببعض غضب: حبتك قرادة.. قول آمين.. خلها تولي



زايد بذات الألم الشفاف: تدري ياخليفة: لو أنا أخطبها من إبيها.. صدقني بيوافق علي على طول.. إبيها شايل همها عدا أنه يعزني واجد

تخيل إني تيك المرة يوم أنت شفتها ضربتها قدامه.. وهو ماقال شيء لأنه يدري إنها غلطانة

بس أنا كنت أبي أشوف رأيها قبل.. هذي بنية يتيمة.. وماعندها أم ترد لها الشكيا

ويمكن أحلامي صورت لي إنه يمكن في قلبها نفس اللي في قلبي

صدمتني بقسوتها.. ما تخيلتها كذا











خليفة يحاول أن يتكلم بمنطقية: زين خلنا من إنها تبيك أو ما تبيك

أنت واحد طفران.. ماعندكم إلا ذا الابل اللي أصلا كلت اللي وراكم وجدامكم





زايد بهدوء: جماعتنا كثير منهم مثلنا.. وش حن عايشين عليه إلا على ذا الابل؟!!



خليفة ينظر للبعيد: والله يازايد أنت والابل.. مثلي أنا والبحر والسمج

مالقينا فايدة.. لا تعليم تعلمنا ولا فلوس حصلنا

ثم همس بما يفكر به منذ وقت وكان ينتظر الوقت المناسب لمصارحة زايد به: زايد امش معاي للدوحة

الشباب هناك يقولون خير ربي.. الشغل وايد.. وفيه مدارس العصر

الناس كلهم راحوا للدوحة ماعاد باقي الا احنا اللي ساكنين في مناطق برع (برا) الدوحة.. وش ناطرين؟؟

خل نشتغل الصبح وندرس العصر.. وبعدين احنا درسنا عند الكتاتيب ونعرف نقرأ ونكتب زين.. يعني بنطوف لنا كم صف













زايد يهمس بخفوت كأنه يخاطب نفسه والفكرة تدخل إلى رأسه وتسيطر.. فلطالما كان ينفذ ما يقتنع به دون تردد: ليش لا..؟؟






بعد ذلك بشهرين





بيت قديم مُستأجر فيما يعرف اليوم بمنطقة الأسواق

بالقرب من سوق واقف





يدخل بتثاقل كأن أقدامه مغروسة في الأرض ..يعاني نزعها.. ليعاود غرسها مرة أخرى..

يلقي غترته على السرير الحديدي المفرد

ليلقي فوقه بأشلاء جسده الممزق ذهولا وألما

أي هم هذا؟!!

أي ألم يمزق روحه الشابة بمناجله المسمومة الصدئة؟!!











خليفة الذي كان يكتب واجبه أزاح الدفتر جانبا وهمس لزايد بقلق: زايد أشفيك؟؟



زايد يــنـــزف.. يـــنـــزف..

يشعر أنه لابد أغرق الأرض بنزيف روحه

همس وكأنه يتقيأ الوجع:







مـزنـة...... تــزوجـت





" آه يامزنة.. آآآآآآآه

أما آن لك أن تقتربي

مزنة ياحلمي الذي حلمت به حتى ملَّ الحلم مني

يا أبجديات الحلم التي ماعرفتُ يوما سواها

كيف استطعتِ أن تكوني قاسية هكذا.. ومتوحشة هكذا؟!!

أ هان عليكِ قلب زايد المتيم؟!!

أ هان عليكِ دمه المسفوح تحت قدميكِ؟!!

أ هان عليكِ أن تبعثري ما بقي من روحه المعلقة بأهداب عينيك؟!!

هل سيحبك هو كما أحبك أنا؟!!
هل ستشرق شمسه مع ابتسامتكِ؟!!
هل سيهذي باسمكِ كما أفعل؟!!
هل ستغرد روحه إن وصلت همساتكِ إلى أطراف سمعه حتى لو من بعيد؟؟
تعبت من الآهات.. تعبت
ماعادت آهات.. بل سهام تنغرز في روحي الثكلى لتبكي على مابقي من أطلالكِ
وداعا يا حلمي.. وداعا
وداعا يا مزنة !! "






















بعد أقل من عام




زايد يأخذ خليفة من عمله على سيارته الجديدة GMC موديل 1980



خليفة يلتفت له وهو يهمس بحماس حقيقي: ها بشر؟؟.. وافقت عليك ؟؟



زايد يقلب شفتيه وهو يثبت يديه على المقود ويهمس بحياد: لا



خليفة يهمس بغضب عميق: إش عندها ذي.. أرملة وعندها ولد.. لا وويه نحس بعد.. ريلها مات وهي حامل

على شنو شايفه حالها؟؟!! أنت بس اللي معطيها ويه!!

أنت الحين ماشاء الله وضعك صار زين واستأجرت بيت في الدوحة

تزوج زايد.. تزوج شيختها اللي تسواها وانساها.. هي الخسرانة









زايد يهمس بثبات وعيناه تبحران.. تبحران: ماحد عندي يسوى أم امهاب



خليفة باستغراب: نعم؟؟ شنو اسم ولدها؟؟



زايد بهدوء موجوع: امهاب اللي المفروض يكون ولدي أنا..

مُهاب على قولت مدرسين العربي.. هي اللي اختارت ذا الاسم لولدها.. من يومها وهي غير وتفكيرها غير





خليفة يبتسم: بصراحة اسم غريب وايد.. بس حلو

ثم يردف في محاولة لإبعاد زايد عن أفكاره المرة: و على طاري مدرسين العربي.. ترا المدير يقول مستوانا متقدم وايد على مستوى اللي معنا

نقدر ندرس سادس هالصيف ونطلع أول إعدادي مع فتح المدارس

وندرس ثاني اعدادي الصيف الياي












بعد عدة أشهر




صفوف مدرسة قديمة.. كانت جديدة في حينه.. شباب صغار مثقلين بالحلم يجاورهم شيوخ مثقلين بالأمل..

وشتان بين حلم باللحاق بمستقبل قبل أن يمضي

وأمل في تصحيح ماض مضى!!








خليفة وزايد يجلسان متجاورين في انتظار المدرس..زايد يتنهد ويهمس بنبرة محايدة جافة كأرض بور: خليفة أنا خلاص بأتزوج



خليفة يبتسم بسعادة حقيقية وهو يشعر بصدمة حقيقية "أ يعقل أن هذا المجنون قد شُفي من هوسه المستعصي المسمى مزنة؟!! " : وأخيرا خلصنا من خبال مزنة



زايد بابتسامة هازئة مرة.. ابتسامة أشبه بالبكاء: ماخلصنا.. هي اللي خلصت

مزنة تزوجت مرة ثانية..عيّت مني وخذت واحد مثل الأولي والله مايستاهلون ظفرها

بس شأسوي.. مالي إلا القهر!!

أنا خلاص ياخليفة بأعرس وأجيب لي بنت وأسميها مزنة.. أبي على الأقل أدعي اسمها في بيتي










" هل هذا ما أردته يا مزنة؟!!

هل هذا ما أردته؟!!

تنتقلين من أحضان رجل لأحضان آخر

لتتركي أحضاني تحتضن خيالا مرا شاردا يبعث برودة أشبه بصقيع الموت في أوصالي

ثم لتسكن هذه الأحضان المنبوذة امرأة أخرى سواكِ

يصبح أقصى أمنياتي أن تنجب هي لي مزنة..

صغيرة أهمس باسمكِ حين أناديها.. وأرى في أطيافها بعضا من أطيافكِ الهاربة"


















بعد ذلك بـ 8 سنوات وقبل 22 سنة من اليوم




خليفة بابتسامة أخوية صافية: مبروك جاتك مزنة أخيرا عقب كسّاب وعلي



زايد بفرحة حقيقية وروحه تغرد.. تغرد: الله يبارك فيك

والله يافرحتي بذا البنت مثل فرحتي بعشر عيال

بس تراني ما سميتها مزنة.. سميتها مُـزُون

مابغيت أجرح مرتي إني أسمي بنتها على اسم اللي كنت أحبها حتى لو ماكانت تعرف

ومن ناحية ثانية قلت إذا دلعتها بيكون نفس دلع مزنة

أبرد قلبي شوي.. ولو أن قلبي عمره مابرد

عــمـــره مــــابـــــرد

















**************************





قبل أربع سنوات من اليوم




الدوحة

منطقة رأس أبو عبود

كلية قطر لعلوم الطيران

مكتب رئيس الكلية تحديدا










يجلس خلف مكتبه العريض بطلته المهيبة وهو يرتدي لباس الطيارين المعتاد رغم أنه توقف عن قيادة الطائرات منذ سنوات

ولكنه تقليد برتوكول الطيران العتيد





يقلب الأوراق أمامه ويعيد النظر للشابة الواقفة أمامه والتي لا يظهر أي شيء منها بتاتا وهي مغطاة بشكل كامل بالسواد

وبالكاد تظهر رفات رموشها من خلف فتحات النقاب الضيقة

يهمس باحترام ممزوج بالتهذيب والحنان الأبوي: يابنتي هالتخصص ما يناسبج

أنا أقولها لج مثل بنتي









الشابة بصوت خافت فيه رنة الحياء الطبيعية ولكن يصدر معه روح ثقتها الواثقة:

هل معدلي ما يسمح؟؟





القائد يتنهد ويهتف وهو يعرف سبب سؤالها: لا.. وأنتي عارفة إنه معدلج أكثر مما يسمح بعد.. أعلى معدل بين كل الطلاب المتقدمين



بنفس الثقة الخجولة: هل فشلت في أي من اختبارات القبول التحريرية أو العملية أو حتى اختبار قمرة القيادة؟؟



يبتسم القائد: يابنتي ليش تسألين أسئلة أنتي عارفة إجابتها؟؟

الشابة بثقة: وأنت ليش تبي تثنيني عن شيء أنا قررته خلاص؟؟

القائد بابتسامة أبوية: يا بنتي أنا في مجال الطيران لي أكثر من 25 سنة وأقول لج بكل صراحة وموضوعية إنه ما ينفع لمرة اطلاقا

وخصوصا لما تكون وحدة مثلج


الشابة تتنهد: أنا أعرف إنه فيه بنات قطريات في التخصص سابقيني.. وش معنى أنا؟؟



القائد تعب من الجدال معها ولكنه هتف بثقة: هم موب مثلج.. هم وضعهم غير.. حتى أشكالهم غير.. تسمح لهم بحرية حركة أكثر



الشابة ببعض عتب: يعني عشان أنا منقبة؟؟



القائد بصراحة: ممكن يكون هذا أحد الأسباب.. الشيء الثاني أنتي معدلج عالي وايد.. وأنتي بنت زايد بن علي آل كسّاب الـ

يعني يا بنتي ماشاء الله تبارك الله أبوج ريال معروف وخيره وايد يقدر يوديج أي ديرة تدرسين اللي تبين

عدا إن معدلج إييب لج أحسن بعثة لو بغيتي







مزون بثقة: وأنا ما أبي إلا ذا التخصص





بعدها بساعة

في أروقة الكلية





مزون مع أخت صديقتها التي هي في السنة الثالثة من تخصص المراقبة الجوية

والتي ساعدت مزون على انهاء إجراءاتها

تهمس لمزون بحذر: مزون ترا للمرة الأخيرة أقول لج الفرصة قدامج تراجعين

صدقيني ماراح يمشي حالج مع شروطج

ما تبين تركبين مع الطيّار في القُمرة بروحج

ولازم المساعد الثاني يكون مرة بعد

وما تبين تسافرين لديرة غير الخليج ولا رحلة تضطرين تباتين فيها

يعني من أساسها شروط كلها ما تنفع لوحدة تبي تصير كابتن طيران

والكلية لولا واسطة أبوج الكبيرة ماكان قبلوج أساسا مع شروطج



















مزون تنظر للبعيد: أبي أسوق طيارة لو مرة وحدة في عمري.. بس مرة

وعقبها أنا بأطلب العمل مع الطواقم الأرضية أو في عمل مكتبي

لأني عارفة إنه مجال الطيران ما ينفع لوحدة مثلي لا شرعيا ولا اجتماعيا

أبي بس أحقق أمنيتي بدون ما أرتكب أي ذنب









أخت صديقتها بدهشة عميقة: تضيعين عمرج عشان أمنية غريبة مثل هذي؟!!



مزون بشبح ابتسامة: مثل قصة البنفسجة الطموح لجبران خليل جبران.. تكفيني ساعة وحدة أحقق فيها طموحي




غير بعيد منهما

شابان يقفان يهمس احدهما للآخر بخفوت: أنت عارف البنت المنقبة بنت من؟؟





الشاب الآخر بعدم اهتمام: بصراحة هيئتها مهيب هيئة بنات الكلية بالمرة

هي وش جايبها؟؟





الشاب الأول بهمس خافت: بنت زايد آل كسّاب

لا وجايبة أعلى نسبة بين المتقدمين الجدد.. وتبي تخصص قائد جوي





الشاب الآخر يلتفت للفتاة بحدة محرقة وهو ينظر لها نظرة تقيمية: من جدك؟؟

بنت زايد آل كسّاب ماغيره؟!!

ثم أردف بغضب حقيقي: اللي ضاعت علوم العرب ومراجلهم؟!!







الشاب الأول بشبح ابتسامة: يعني عشانها من جماعتك؟!!



الشاب الآخر بغضب مكتوم: على شحم ومهوب شغلك



ثم مشى باتجاهما وهو يجره معه ويهتف بصوت مسموع جمع فيه كل الاستهزاء والبرود رغم أنه كان يغلي كمرجل مشتعل تستعر ناره:

اللي رخصوا الرياجيل

إذا زايد آل كسّاب مخلي بنته تدرس مع الرياجيل عشان تدور عقبها من ديرة لديرة

وش خلو لمضيعين أصلهم؟!!

ياخسارة النقاب والأصل اللي ماعاد لهم معنى ولا حشمة!!











حينها شهقت مزون بعنف وهي تلتصق بالحائط

بينما أنعم عليها صاحب الكلمات المسمومة بنظرة احتقار

تكاد تقسم أنها شعرت أنها شطرتها شطرين.. من صدرها حتى آخر سلسلة ظهرها.. شطران متهاويان وجعا وإهانة

تجاوزها ..وهو يعلم أنها أصاب كرامتها في مقتل دون أن يهتم أو يرف له جفن

ما يهمه أنه أشفى بعضا من غضبه وغيظه حين علم أن واحدة من بنات جماعته دخلت معه إلى ذات تخصصه المرفوض بشكل قاطع لأي امرأة





همست أخت صديقتها بمساندة: ماعليج منه مزون.. هذا مُهاب معروف إنه مستحيل يخلي كلمة تقرقع ببلعومه



مزون بصوت مختنق: بس هو ما يعرفني عشان يهيني كذا

أشلون باستحمل منه كلمة ثانية يقطها علي





الشابة الأخرى بذات المساندة: إن شاء الله ما تصدفينه مرة ثانية

هذا الفصل آخر فصل له أصلا

هو ترا كبير عن كل طلبة الكلية حتى طلاب سنة رابعة هو أكبر منهم بوايد

لأنه تأخر ثلاث سنين قضاهم نقاهة من حادث

تكسّر فيه تكسير

وتوه رجع السنة اللي فاتت وخلاص هذا هو بيخلص ويروح





ولكنها لم تكن المرة الوحيدة التي تخترق مسامعها كلماته المسنونة

لم يتحادثا مطلقا وجها لوجه

ولكنه لم يترك فرصة واحدة طوال فصله الدراسي الأخير لإسماعها كلمات مغموسة بالتحقير والاستهانة وأبشع أنواع الأهانة

هكذا أراد الله أن يبتليها به

أن تُجبر على سماعه

وتجد نفسها عاجزة عن الرد أو حتى مجرد الشكوى

ابتلعت الإهانة على مضض وروحها تذوي وجعا مرا

فتجرع الإهانة دون القدرة أو الرغبة على الرد هو أشبه ما يكون بسم بطيء المفعول..

يقتلك شيئا شيئا
وفي رحلة القتل هذه لابد أن تعاني أبشع الآلالم بصمت متوحش حتى تذهب روحك إلى الفناء....
الـــفــنـــاء!!



















كانت تلك الشهور هي الأسوأ في حياتها ضمن السنوات الأسوأ التي بدأت منذ ذاك الحين

تمنت أن تقيم احتفالا حين تخرج مُهاب وغادر الكلية بعد أشهر قليلة

ولكن الاحتفال يعني فرحا من نوع ما..

وهي فقدت الإحساس بطعم الفرح الحقيقي أصلا.. فلِـمَ الاحتفال؟!!












**************************





اليوم....




ضحى يوم سبت

الجو مشبع برطوبة خانقة شعرت بها وهي تخرج من باب المطبخ الخلفي وتنزل جلالها على وجهها رغم أنها تعلم يقينا أنه يستحيل أن تصل عين متلصصة إلى عمق منزلهم ولكنها اعتادت على هذا

ومن ناحية أخرى لا تريد أن تسمع كلمة ما من والدها أو شقيقيها







"آآآآآآه " تنهدت بوجع

أي شقيقين؟؟!!

قبل أربع سنوات كان لها أبوان وشقيق واحد..

ولكن الآن هناك أب وشقيق.. وثالث ماعادت تعرف له تسمية









وصلت بعد عدة خطوات لمبتغاها

فيلا صغيرة أنيقة تقبع خلف القصر الضخم ومعه في ذات السور

دخلت دون أن تطرق الباب

ألقت بجلالها على المقعد الأقرب للباب

وهي تدلف للبهو البالغ الأناقة المؤثث بذوق أنثوي شديد الرقي

عدلت من هيئتها في مرآة المدخل

وملامحها الحزينة تنعكس على صفحة المرآة لتعكس ماهو أعمق وأكثف من جمال شديد التواضع يبدو لثقة صاحبته معدوما تماما

تنهدت.. ثم رفعت صوتها وهي تنادي بحماس رقيق: خالتي

خالتي عفرا
خالتي وينش؟؟



















خرجت عفراء من المطبخ وهي تجفف يديها وتهمس بحنان: تريقتي وإلا تريقين معي؟؟



مزون تحتضن خالتها بحب كبير وتهمس لها وهي تقبل أذنها:

أنتي عارفة إنه ريوق السبت ماله حلا إلا معش





ابتعدت مزون وهي تنظر لخالتها باستحسان: حلوة القصة عليش خالتو



عفراء تعيد شعرها خلف أذنيها وتهمس بمرح حنون: أدري



مزون تقلب شفتيها: عشتو.. صدقت أبلة عفرا العجوز



عفراء بابتسامة: عجوز في عينش.. توني 37 سنة يا كابتن مزون



مزون تضحك: ويعني 37 منتي بعجوز؟!! وبنتش اللي صار عمرها 19 نعطيها للجيران عشان ندس عمرش؟!!



عفراء تدلف إلى المطبخ ومزنة خلفها وهي تبتسم وتجيب (بعيارة): لو أني عجوز ماكان يجيني خطّاب أصغر مني



مزنة غمزت بعينها وهمست بخبث رقيق: وليش ما وافقتي على الخطيب اللي أصغر منش؟!!



عفراء تصف أواني الفطور على الطاولة الصغيرة في زواية المطبخ وهي تهمس بذات المرح: لا تستعبطين

شاب عمره 32 سنة يتزوج وحدة في عمري!!!

هذا على فرق العمر اللي يبان على المرة ومايبان على الرجّال.. بعد عشر سنين عاده في عز شبابه وأنا بأكون خلاص أقول يا الله حسن الخاتمة

هذا المسكين شيسوي.. يبي يتقرب من كسّاب ومالقى قدامه حد غير خالة كسّاب









تنهدت مزون في داخلها بحسرة وأمران موجعان يتبادران لخاطرها

أولهما كسّاب ذاته

وثانيهما أنه صديق كسّاب سيخطب خالة كسّاب ولكن هي لم ولن يخطبها أحد

فمن سيريد فتاة دميمة مثلها؟!!

بل وعلى وشك استلام عملها في مجال قيادة الطائرات!!











ولكن مزون حاولت تجاوز كل هذا.. فهذا الحزن وخصوصا مع ذكرى كسّاب ذاته شيء بات يتغلغل في روحها واُجبرت على التعايش معه

لذا همست بمرح خبيث: زين ويوم إنش ما تبين اللي أصغر منش

كان خذتي اللي أكبر منش







عفراء أنزلت الصحن الأخير على الطاولة وجلست وهي تهمس بحرج:

مزونتي قلبي.. كم مرة قلت لش لا عاد تفتحين ذا الموضوع


مزون تمد يدها لكأس الكرك الذي صبته لها خالتها وترتشف منه وتهمس بهدوء:

ولا عمرش اقنعتيني بأسبابش

أنا بصراحة ما أشوف السبب اللي خلاش ترفضين إبي عقب ماتوفت أمي


عفراء تقضم طرف قطعة الخبز وتهمس بمودة: خلاص هذا موضوع انتهى من سنين

وأنا خلاص خلصت من العرس كله.. ما تزوجت وبنتي صغيرة

أتزوج الحين عقب ماصارت هي عروس


ثم أردفت بحزن عميق وكلمة عروس تقلب الكثير من المواجع:

أنتي عارفة إنها كانت قبل مرضها ذا تخطب مني.. لكن الحين ؟!!

الله يشفيها لي بس


مزون أنزلت اللقمة التي كانت على وشك تناولها لأنها خشيت أن تغص بها وهي تهمس بحزن مختنق:

خالتي والله حرام تخلين جميلة على ذا الحال

سافري فيها مع كسّاب وإلا علي

هذا هم اثنينتهم يحنون عليش









عفراء تنهدت بحزن: يا قلبي يا مزون.. جميلة ما عاد هي بصغيرة.. صارت مرة

ولا علي ولا كسّاب حلال عليها يكشفونها

لو كان مرضها غير ذا المرض كان قلت عادي أنا معها

لكن هي الحين حتى ما تقدر تغطي وجهها ولا حتى فيها حيل تغطي أي جزء ينكشف من جسمها

الشيء الثاني.. أنا أملي بالله كبير إنها تتحسن إن شاء الله


مزون تعلم أن هذه الأسباب وإن كانت من ضمن الأسباب إلا أنها ليست كلها!!..

لذا صمتت وهي تقف ثم تهمس بحنين: زين أنا بأروح أطل عليها.. بتوعى فيني؟!!





عفراء وقفت معها: أصلا هي واعية.. أنا طليت عليها قبل شوي..

عصبت علي وعصبت عليها عشان الريوق




الاثنتان تتجهان للأعلى ومزون تهمس: زين والجامعة بترجع الفصل الجاي وإلا لأ؟!!



عفراء بألم عميق: قولي إن شاء الله..



مزون تحاول تغيير دفة الحديث من أجل الحزن الذي فاض من عيني خالتها: والمدرسة وش أخبارها؟؟



عفراء بسخرية مرة: لا تسألين لأنه هذي ماعادت دراسة ولا مدارس.. هذي مأساة من مآسي ذا الزمان

خلينا من ذا الموضوع الغثيث الحين.. وصلنا غرفة جميلة





قلب الدوحة

ذات ضحى السبت

بالقرب من شارع حمد الكبير المعروف بـ"شارع البنوك"








يوقف سيارته في موقفه الخاص

ويصعد إلى مبنى شركته الصغيرة الأنيقة التي تحمل في كل جنباتها رائحة ذوقه وطرازه.. وحتى جموده!!





يخلع نظارته الشمسية وهو يدلف من الباب الزجاجي الضخم لتبرز عيناه المتيقظتان كعيني والده تماما

هاتان العينان هما الشيء الوحيد الذي ورثه من والده

وفي بقية ملامحه كان شيئا مختلفا..

ملامح حادة مرسومة بدقة.. توحي بحنان مندثر أصبح ذكرى منقرضة

جسد استثنائي التكوين بعضلات نافرة متحفزة تظهر بوضوح بارز تحت الانسياب الأنيق لثوبه الأبيض.. عضلات لم تكن موجودة مطلقا قبل أربع سنوات..

فلو لم يفرغ كل طاقة غضبه حينها في رفع الأثقال يوميا حتى كان يوشك على الانهيار من التعب في نهاية اليوم

أو ربما كان انهار وقتها من الغضب والحقد والخزي والانكسار!!!

ثم بعد ذلك بأشهر.. سفره الغامض الذي استغرق عاما.. عاد بعده بشهادة الماجستير

وعاد كذلك -ويالا غرابة التغيير الجذري- ببنية جسدية مفرطة في القوة لدرجة مرعبة.. وروح مغرقة في القسوة لدرجة أكثر رعبا!!










وصل لمكتبه

ألقى سلاما باردا على سكرتيره

ثم دلف إلى مكتبه

لحق به سكرتيره وهو يضع ملف المراسلات أمامه ويهمس باحترام مهني:

سكرتير عمي زايد اتصل ويقول عمي أبو كسّاب يبيك تمر عليه








التفت له بحدة وهو ينظر له بقسوة متوحشة: نعم وش قلت؟؟



ابتلع السكرتير ريقه.. فهو يعرف هذه النظرة وليس مستعدا لتبعاتها التي يعرفها جيدا: فيه شيء طال عمرك؟!



همس بنبرة محرقة: أظني في ذا الشركة مالك إلا عم واحد هو.. أنـــــا..

مفهوم؟!!!





السكرتير يتراجع وهو يحاول الخروج بأقل الخسائر: أكيد طال عمرك.. أكيد



خرج السكرتير

بينما عاد هو لإرخاء جسده المتصلب

الحالة التي لا بد أن تصيبه كلما سمع اسم والده

لماذا رباه على كل هذا الاعتزاز والحمية والأنفه إن كان هو من سيكسره في النهاية؟؟

لـمـاذا؟!!

لـــمـــاذا؟!!

يحاول أن يتناسى الذكرى الموجعة التي تأبى الانزياح

همسات الرجال المحتقرة في المجالس (هذا اللي أخته العوبا تدرس طيران)

اضطراره لبدء حياة جديدة ابتعد فيها عن كل أصدقائه القدامى.. وأغرق نفسه في العمل
حصر علاقاته في علاقات العمل فقط
وغلف روحه بكل البرود والجمود الممكنين
حتى يستطيع التعايش مع هذا الخزي الموجع كما يراه هو
لولا خشيته من فضيحة أخرى أو كان ترك بيت والده وسكن في مكان آخر
وهاهو يعيش معهم بالاسم فقط.. بينما هو بعيد.. بعيد
بــــعـــــــيـــد جدا!!!
أو..... ربما يظن نفسه كذلك!!!














************************


مزون تنزل الدرج وهي تمسح دموعا لا تريد أن تراها خالتها

رغم أنها تطل على ابنة خالتها كل يوم ولكنها كانت تجدها غالبا نائمة

اليوم كانت مستيقظة.... بدت لها غاية في الضعف

وجهها الذي كان في مضى غاية في الرقة والعذوبة كان اليوم خاليا من الحياة وعظام خديها تكاد تبرز من وجنتيها

عيناها غائرتان في فجوتين من هالات سوداء مرعبة أخفت حسنا كان لا يخفى..

شفتاها مشققتان جافتان على طرفيهما بقايا دم متخثر بعد أن كانتا أشبه في توردهما بفاكهة صيف ندية

اخضرار عروقها كان يعبر بوضوح مساحات قاحلة من ضمور جسدها المتهالك

فجوات كثيرة برزت في مفارق شعرها بعد أن تساقط الكثير من شعرها الذي كان رائعا بكثافته ونعومته












مزون جلست في الصالة السفلية وهي تخفي آثار دموعها

تبعتها خالتها بعد دقائق بعد معركة أخرى مع ابنتها جميلة

جلست الخالة وهي تنتفض غضبا:جننتني.. جننتني.. مارضت تأكل شيء.. وفي الأخير غصبتها على لقمتين







مزون بمساندة: هدي خالتي.. هدي.. أنتي عارفة إنها تصير عنيدة في موضوع الأكل



انتقلت عفراء من النقيض للنقيض من الغضب العارم للحزن المقيم وهي تهمس بوجع مستشرٍ:

مزون أنا صايرة عايشة في رعب إني بجي أصيحها يوم بألاقيها جثة

أنا الحين ماعاد أقدر أنام وأنا كل شوي أحط يدي على قلبها عشان أتأكد من دقات قلبها

وأحطها قدام خشمها عشان أتاكد إنها تتنفس









انتفضت مزون بجزع: بسم الله عليها خالتي.. لا تفاولين عليها



همست عفراء بألم عميق.. عميق: الله يخليها لي



مزون تقترب من خالتها وتحتضن خصرها وهي تهمس بمرح مصطنع لإبعاد خالتها عن التفكير المؤلم:

يعني أنا ما يخليني لش؟!!





عفراء احتضنت مزون وهي تهمس بحنان: أنتي عارفة إنه كلكم أنتي وجميلة وكسّاب وعلي كلكم عيالي وغلاكم واحد



مزون همست بخفوت وهي تبتعد عن خالتها قليلا: خالتي كسّاب أشلونه؟؟

ما يقول لش إنه يبي يتزوج؟؟ بأموت نفسي أشوف عياله هو بالذات





عفراء ابتسمت وهي تقرص خدها بحنان: وعلي المسيكين.. ماتبين تشوفين عياله يعني؟!!



مزون همست بألم: أقول يمكن كسّاب لو تزوج وجاب عيال.. يطلعون حنانه

ويرجع كسّاب القديم

يا الله يا خالتي وش كثر مشتاقة له

أربع سنين مروا مايقول لي الا كلمتين كل كم شهر









صمتت خالتها.. فهي في هذا الموضوع بالذات تقف على الحياد ولأسباب كثيرة!!



أكملت مزون بذات الألم: الله يأخذ ذا الدراسة اللي بعدته عني

والله لو دريت إن ذا كله بيصير إني ما أدخل ذا التخصص

وليتني قعدت على اقتناعي حتى

يالله يا خالتي وش كثر ندمانة !!









خالتها بمؤازرة: خلاص يا بنتي اللي راح راح



مزون بألم أكبر: أنتي عارفة ياخالتي إني بعد شهر واحد بس.. كنت أبي أطلع من الكلية عشان كسّاب واللي شفته صار له

ما توقعت إن كسّاب بيتأثر بذا الطريقة.. قلت بيعند أسبوع وإلا أسبوعين ويتقبل الموضوع وتمشي السالفة

ما توقعت حياتنا تتعقد كذا بسبت دراستي..جيت بأطلع عشانه لكن إبي حلف علي

تدرين خالتي واحنا بزران كل طفل دايم يحلم حلم مجنون.. إنه بيكون رائد فضاء مثلا

مشكلتي إني حلمت حلم غير معقول كان المفروض إنه ما يتحقق.. لكن لاني بنت زايد آل كسّاب.. الحلم تحقق

جيت بأتراجع عنه.. زايد ما خلاني..

والله العظيم لو خيروني بين كسّاب وكل تخصصات الدنيا.. كفة كسّاب ترجح

كسّاب ماكان إخي بس.. كان إبي وأمي

من عقب ذا التخصص لا بارك الله فيه.. الكل تغير.. وحياتنا كلها تغيرت









حينها ماعادت تحتمل.. ماعادت تحتمل

انخرطت في بكاء حاد موجع..فمشاعرها كانت مستنزفة تماما

ابنة خالتها أولا..ثم موضوع كسّاب ثانياً

خالتها انتفضت بجزع وهي تحتضنها بحنو وتهدئها:

بس يا قلبي.. بس

تراني ماني بمستحملة.. لا تبكين...أخورها الحين معش










*****************************



إنه مساء الدوحة...نقرات ناعمة خافتة على الباب.. ثم تنهدت وضحى بألم وهي تتذكر وتضغط زرا بجوار الباب..
حينها فتح الباب لها شاب طويل قوي البنية وعلى وجهه الوسيم ترتسم ابتسامة دافئة حنونة وأشار لها أن تدخل بعلامة ترحيبية
فهذا الزر عند بابه يشيع ضوءا في غرفته ليعلمه أن هناك من يطرق بابه
أشارت له وهي تبتسم: ليش ماتعشيت؟؟

ابتسم وهو يشير لجسده القوي: لازمني حمية شوي.. زايد وزني

حينها ضحكت وهي تشير وتهمس بصوت مسموع: إذا أنت زايد وزنك ..وش نقول على امهاب؟؟

حينها قاطعهما صوت قوي ومرح يدلف مع الباب المفتوح: سامع اسمي الله لا يبيح منكم

حينها دخل ليغمر المكان بإشعاع حضوره المختلف
كان أطول من تميم وأعرض ورغم أنه لم يكن وسيما بالمعنى المتعارف عليه
ولكن له حضورا استثنائيا يوحي بالرهبة والحنان في ذات الوقت ..
هاهو أصبح في الثلاثين: مسؤولياته تشغله عن كل شيء.. مسافر دائما
ولكن أسرته ترتحل معه وفي ذاكرته منذ أن تحمل مسؤوليتها بعد وفاة زوج أمه قبل أكثر من خمسة عشر عاما
وكانت حينها وضحى في عمر السابعة وتميم في التاسعة وكاسرة في الحادية عشرة

ابتسمت وضحى: ماقلنا شيء غلط نقول تبي لك شوي ريجيم..
همست بالجملة وهي تشير بها في ذات الوقت
هكذا اعتادت أن تتكلم في وجود تميم حتى لو لم تكن توجه الحديث له
كانت تهتم كثيرا لإشراكه معهم.. لذا كانت من أصرت منذ بلغت الرابعة عشرة على تعلم لغة الإشارة على أصولها
قد يكون جميع أهل البيت لديهم القدرة على التفاهم الجيد مع تميم.. لكن هي لديها قدرة على التحادث معه مطولا بلغته الخاصة
فهي كانت من لاحظت أن تميما بدأ بالتباعد في عوالمه الخاصة لأنه لا يجد من يتحدث معه بعيدا عن المدرسة
حينها أحبت أن تصنع شيئا لا تستطيع كاسرة التغلب عليها فيه وفي ذات الوقت تحتفظ بقرب تميم منها
لذا تعلمت لغة الإشارة على يد معلمة خاصة وتعبت كثيرا وهي تتعلمها لتتفاهم مع تميم
رغم أن تميما رفض بداية أن تتعلم هذه اللغة من أجله..
ولكنه فيما بعد قدّر كثيرا جميلها هذه وهو يجد من يستطيع أن يتحاور معه بطلاقة..
وبدأت وضحى تفكر جديا حين تنهي دراستها أن تعمل في مجال تعليم الصم والبكم..

"وضحى وتميم عالمان زاخران مثقلان بالعمق والغموض.. "


تميم العالم المجهول المغلق على أفكاره.. أنهى الثانوية في مدرسة التربية السمعية بمجموع كبير ولكنه لم يستطع دخول الجامعة
لأنه لا توجد هنا جامعة لمن هم في مثل حالته..
شكّل هذا الأمر له احباطا كبيرا وحزنا أكبر..
أن تعلم أنك قد تكون أفضل من مئات ممن دخلوا الجامعات
ولكن لأنهم يمتلكون حاسة لا تمتلكها تكون فرصهم في الحياة والدراسة أفضل
ولكن هذا الاحباط لم يوقفه..فبعد عدة أشهر بدأ تميم يعلم نفسه ذاتيا على تفكيك أجهزة الحاسوب مستعينا ببرامج للتعليم الذاتي على الانترنت

هذا العالم جذبه وسحره.. مع هذه الحواسيب والبرمجيات لم يكن يحتاج للحديث أو لمن يسمعه
تكفيه هذه العلاقة التي صنعها بأنامله الذهبية.. علاقة حساسة ثرية ومفعمة بالتفاهم والود
وكأن هذه الأجهزة تستجيب لرقة أنامله.. لتفكك ماهو عصي منها وتصلح ما استعصى على الإصلاح

وقبل عامين أنشأ محله الخاص.. وأصبحت له سمعته الرائعة في السوق
ولأن هذا العصر هو عصر الحواسيب بالفعل.. فعمله كان مزدهرا حقا
ومدخوله الشهري يتجاوز راتب وزيرين معا

ولكن...
هذه الروح الوثابة المسجونة بين أضلاع صدره كانت تتوق للانعتاق
يشعر أن علاقته بالحواسيب باتت أقوى من علاقته بالبشر
فهذه الآلات صامتة وحساسة.. مثله تماما
ولكنه يتوق لروح إنسانية تحاوره وتتمازج معه.. تعايش معه همومه وأفكاره وآماله وطموحاته

لـــــذا
قرر أن يتزوج رغم صِغر سنه!!

ليصتدم بمشكلة أخرى:
"والـــدته!!"

فهو يريد أن يتزوج من فتاة تكون بنفس حالته
يريد شريكة يتفاهم معها بلغته التي يستطيع التعبير بها
يريدها أن تكون لغتها أيضا حتى يكون تعبيرهما على ذات المستوى من العمق والإحساس
لم يرد للمرأة التي تشاركه الحياة أن تشعره بالنقص وأنها تتفوق عليه
وأنها حين تحادثه بالإشارة فهي تتنازل من عليائها لكي تصل لمستوى فكره
كانت هذه الفكرة تؤذيه وتؤذي كرامته واعتزازه بذكائه وقدراته
ولكن مزنة كانت ترفض فكرة بشكل قاطع أن يتزوج من بكماء صماء مثله!!
فهي تفكر بالمرحلة الأبعد:
"أحفادها!!"

الأطفال حين ينشأون يتعلمون من أبويهم
وتميم وزوجته المفترضة قد تحكم ظروفهما مستقبلا أن يعيشا في بيت مستقل
فلو بكى الطفل من الذي سيسمعه
ثم حين ينشأ.. كيف سيتعلم اللغة ؟؟ من أبوين أبكمين؟!!
عدا أنها تخشى أن يكون للوراثة دورا فيؤدي ذلك إلى أطفال يعانون ذات الإعاقة
وكانت تعلم يقينا أن ابنها مع إعاقته سيجد من هي صحيحة الحواس لتوافق عليه
فهو شاب بكامل فتوته وصحته ووسامته ومقتدر جدا.. وتعلم أن نقطة الاقتدار وحدها تشكل إغراء يحسن فرصه في الزواج
فلماذا يتزوج من بكماء صماء؟!!!



***********************




بيت آخر في الدوحة
بيت فاضل بن عبدالرحمن زوج أم عبدالرحمن عمة أبناء مزنة
الطابق العلوي
غرفة شُعاع



وجه ودود حنون يطل مع الباب: بنات تبون شيء قدام أرقد؟؟

الصوتان معا: لا يمه فديتش..
ثم أردفت شعاع باحترام: حن أصلا يمه بعد شوي بنصلي قيامنا وبنام بعد

ثم أردفت الأخرى بمرح: شفتي يمه الطردة المحترمة.. تبي تعلمني إني طولت السهرة عندها وأقوم أفارق أحسن

ابتسمت أم عبدالرحمن: روحي لولدش يأمش لا يتوعا ويتروع وهو بروحه

رفعت جوزاء جهازا في يدها أشبه بشاشة صغيرة وهمست برقة: الجهاز شغال عنده يمه

حينها ضحكت شعاع: شيبه عمره ثلاث سنين وعادش حاطه جهاز البزارين عنده..
يا بنت الحلال غرفتش جنب غرفتي.. خلي الباب مفتوح وبنسمع صوته

جوزاء باستنكار: يا سلام عليش عقب ما يقوم ويتروع بروحه.. لا أنا أحب أكون عنده أول ما يقوم

شعاع بحنان: فديت روحه.. الدلوع حبيب خالته

جوزاء همست بحنان مصفى: الله يخليه لي.. ماطلعت من الدنيا إلا بذا الولد

شعاع باستفسار مُلح: جوزا أنتي توش صغيرة.. حرام عمرش 25 سنة بس..
بتقعدين على ذا الولد بس؟؟.. منتي بمتزوجه؟؟.. المرحوم له أكثر من ثلاث سنين من يوم توفى

جوزاء باستنكار: لا إن شاء الله.. تبين عمام ولدي وجده يلاقون سبب يأخذونه مني..

شعاع بمنطقية مستنكرة: لا تصيرين غبية.. أنتي عارفة إنه الولد في حضانتش.. وحتى لو تزوجتي.. وأعمامه وجده رفضوا حضانتش له.. الحضانة بتكون لأمي مهوب لهم..
ثم غمزت بعينها: وإلا تزوجي عم ولدش اللي خطبش أكثر من مرة.. وحلي المسألة كلها

جوزاء بغضب: تدرين.. أنتي الليلة مستخفة!!
تبين أتزوج رجال متزوج وعنده عيال؟؟!!

شعاع هزت كتفيها: بس أنا سامعة إنه مرته لها شهور زعلانة عند أهلها
لو بترجع كانت رجعت من زمان

جوزاء بنفاذ صبر: تكفين شعاع لا تدخلينا في ذا المواويل
أنا أعرف صالح يحب مرته.. مهوب بس يحبها إلا يموت فيها
وش صاير بينهم ما أدري.. بس أكيد بترجع...وأنا خلاص ما أبي أتزوج عقب عبدالله الله يرحمه..
ثم أردفت بوجع عميق كأنها تنتزع ذكرى أليمة من بئر وجع لا تنضب: كفاية اللي صار لي.. والله كفاية!!
وانا خلاص مابي من ذا الدنيا شيء إلا أني أتفرغ لولدي

ثم أردفت لتغيير الموضوع: وينه الدكتور عبدالرحمن.. وش فيه تأخر الليلة؟؟
ماعنده محاضرات بكرة؟؟

شعاع تبتسم: حلوة قلبت الموضوع ذي.. دكتور دحومي عند كابتن امهاب..

جوزاء بسخرية: أخيش هذا ما يمل.. يبي يكون قريب من ريحة حبيبة القلب يعني؟!!

شعاع باستنكار: جوزا عيب عليش ذا الكلام.. أنتي عارفة إنه عبدالرحمن وامهاب ربع من يومهم بزارين
وبعدي كاسرة عن الموضوع.. ترا شكلش يصير سخيف وأنتي يبين عليش غيرانة منها

جوزاء باستنكار مشابه: أنا غيرانة منها؟!!

شعاع بتأكيد مستفز: إيه غيرانة.. وإلا شتسمين الحركات البايخة اللي تسوينها كل ما تشوفينها

جوزاء بغضب: أنا لا غيرانة يا شعاع هانم ولا شيء.. السبب الوحيد إن بنت خالش هذي تستفز الواحد وتطلعه من طوره بغرورها وبرودها

شعاع تتنتهد: زين هي مغرورة وباردة.. أنتي كبري عقلش عليها
الحين الناس صايرين يقولون إنها هي اللي مكبرة رأسها عليش

جوزاء باستنكار أشد: أنا؟؟ أنا؟؟

شعاع بثقة حنونة: إيه أنتي.. أنا أدري إنه أطيب من قلبش مافيه.. بس لو تمسكين ذا اللسان شوي
تكفين خلي كاسرة في حالها.. ومافيه داعي تخلين حزازيات بيننا وبين بيت خالي

جوزاء وقفت وهي تقول بغضب هادر تنقلب فيه من النقيض للنقيض:
إيه.. إيه!!!
أنتي تبين الشيخ امهاب أخ عيال خالش وأخيش يبي الشيخة كاسرة.. وزيتنا في طحينا
وأنا اللي صرت العزول اللي مخرب عليكم الجو ومسوي حزازيات

شعاع وضعت يديها على رأسها استنكارا.. في الوقت الذي خرجت فيه جوزاء تنتفض غضبا وصفقت الباب خلفها بصوت مسموع



*********************





تأخر الوقت لم يتبق جالسا سواهما في مجلس مُهاب..
رفيقا الطفولة والصبا والشباب.. وحتى الغربة لم تستطع مطلقا قطع تواصلهما
حينما سافر عبدالرحمن للدراسة في بريطانيا.. حوّل مُهاب ما أستطاع من جدول رحلاته إلى مطارات لندن بين مطار هيثرو ومطار غاتويك
لذا كان يراه بشكل شبه أسبوعي..فالصلة الروحية بينهما استعصت على كل شيء
حتى حينما أراد عبدالرحمن كاسرة.. كان مُهاب هو أحد الأسباب الجوهرية للخطبة..
عبدالرحمن يعلم أن كاسرة رغم جمالها الموجع هي غير قابلة للاحتواء
ويعلم أنها حين تتزوج ستعاني ليعاني معها مُهاب وربما كل أسرتها
أراد أن يجنبهم جميعا هذا المصير..ولكن كاسرة أمعنت في رفضته ولعدة مرات
لا ينكر أن ذكرى جمالها الفتي المراهق قبل أن تتغطى عنه مازال يسكن ويسكر ذاكرته
ليبعث رعشة عميقة في أوصاله
ولكنها سلطة الجمال فقط!! فلم يكن عبدالرحمن من يشغله مظهر المرأة عن جوهرها
ولكن كاسرة كانت كاسرة بالفعل!!

همس بهدوء حذر: ها امهاب وافقت كاسرة على الخطيب الجديد؟؟

مُهاب يقلب شفتيه: لا.. مثله مثل اللي قبله

عبدالرحمن بذات الهدوء: وبما إنه خلاص الخطيب ورفضته كاسرة.. فهل لو رجعت وتقدمت بعد مرة... بترفضني؟؟

مُهاب بامتعاض: عبدالرحمن وش لك بذا السالفة كلها؟؟ ترا كاسرة هي الخسرانة.. المره اللي ما ترضى فيك، حظها مهوب حولها

عبدالرحمن بهدوء عذب: أبي قربك ياسنايدي

مُهاب بهدوء مدروس: تبي قربي؟؟ أظني عندي أخت غير كاسرة وأحسن منها



#أنفاس_قطر#

.........................
بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث






بعد عدة أيام


جامعة قطر


إحدى قاعات المحاضرات




تدخل وضحى القاعة .. تجلس .. تخلع نقابها وتطويه جوارها لأن محاضرتها هذه عند دكتورة


تجلس بجوارها فتاة منقبة يظهر بياضها الشديد المشرق من خلال فتحات النقاب


ومن خلال أناملها الكريستالية الشفافة التي كانت تحركها برقة مرحة


وهي تهمس بمرح طبيعي ينبع من طبيعتها: وضحى صدق الدكتور عبدالرحمن ولد عمتش؟؟



وضحى بعدم اهتمام وهي تفتح دفتر محاضراتها لتسجل التاريخ: والله يقولون كذا



الفتاة الآخرى بذات المرح: ياثقل الطينة.. ترا التكشير يجيب التجاعيد يالخبلة



وضحى تترك القلم وتلتفت لها لتبتسم باصطناع ضحكة سخيفة: هذا أنا ابتسمت.. قومي فارقي لمحاضرتش يالأذوة.. وش جابش وراي؟؟


أنا أكيد أمي دعت علي عشان كذا تصاحبنا



الفتاة بذات الابتسامة الشاسعة وهي تتجاهل عبارة وضحى: ليش ماقلتي لي إن دكتور عبدالرحمن ولد عمتش؟؟



وضحى بهدوء نافذ مرح: سميروه يالدبة أنتي تعرفين عمتي وعيالها زين مازين.. وتدرين عندي ولد عمة اسمه عبدالرحمن.. وش تبين أقول لش بعد؟؟


هذا وأنتم أصلا كنتم مناسبينهم.. وولد عمش عبدالله الله يرحمه كان رجّال جوزا بنت عمتي



سميرة بابتسامتها المرحة: بس مادريت إنه عبدالرحمن أخ اشعيع هو نفسه الدكتور عبدالرحمن..



وضحى بنفاذ صبر: هذا أنتي دريتي.. قومي فارقي الدكتورة بتجي الحين



سميرة بحالمية مصطنعة: وه فديت قلبه بس.. يهوس يخبل طيّر برج من عقلي وأنا عقلي أصلا كل اللي فيه نص برج


ثم أردفت بمرح: ما تبون عروس له؟؟ تكفين.. إكسبي أجر في وخيتش العانس



وضحى بشبح ابتسامة خبيثة: والله هو يبي كاسرة.. تحبين تنافسينها؟؟



سميرة بضحكة مدوية: كاسرة مرة وحدة.. مهوب هين ذا الدكتور.. لا يأختي.. وين أنافس كاسرة.. زين الواحد يعرف حدوده


ثم أردفت باهتمام وهي تتذكر شيئا: ترا جميلة تعبت زيادة ودخلت المستشفى قبل كم يوم.. أشرايش نروح نزورها؟؟



وضحى بحزن: والله مسكينة جميلة.. وش ذا المرض اللي مص عافيتها.. ياحرام ذاك العود الملفوف والوجه اللي ماينشبع من شوفته..



سميرة بذات الحزن: عين ماذكرت الله.. هاه تروحين معي؟؟.. فيه كم بنت متفقين نروح سوا هنا من الجامعة



وضحى باهتمام: أستأذن أمي أول وأكيد بأروح معكم..


ثم أردفت بخفوت وهي تفتح الدفتر: يالله قومي الدكتورة جات






*************************






إحدى هيئات الدولة


مقر عمل كاسرة التي تُعد أصغر رئيس قسم في الهيئة


وتولت هذا المنصب بطريقة استثنائية تجاوزت فيها عدة ترقيات.. فرئيس القسم ووكيله كلاهما أصيبا في رحلة عمل مشتركة


ليترشح للمنصب عدة موظفين كانت كاسرة أفضلهم.. لتفوز هي بالمنصب..




في أحد مكاتب القسم الذي يتوزع بطريقة خاصة منفصلة ليعطي خصوصية للموظفين من الجنسين..


وخصوصا بعد تولي كاسرة لرئاسة القسم التي اهتمت بهذه الناحية كثيرا



زميلان منكبان على إنهاء بعض المعاملات.. يرفع أحدهما رأسه ويهمس بضيق:


ضيقت علينا ذا الكاسرة الله يضيق عليها.. الواحد مايشم حتى شوي هوا



الآخر بدون أن يرفع رأسه: والله رئيسة القسم ما طلبت منك أكثر من الشغل اللي تاخذ راتبك عليه


إشتغل وأنت ساكت..



الأول بغيظ: صدق حظها يفل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dream.7olm.org
 
رواية .. بين الامس واليوم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  رواية حبني وعشقني,,,,,,,وتركني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Dream’s :: الروايات :: الروايات-
انتقل الى: